تعمل معظم السيارات في العالم حاليًا بواسطة محركات الاحتراق الداخلي التي تستخدم البنزين أو الديزل لتشغيل المركبات والسير بها في الطرقات، وكان الأمر على هذا المنوال طوال العقود الماضية منذ اختراع السيارات.
ولكن هذا الأمر في طريقه للتغيّر، إذ يتوقع عدد كبير من الخبراء وناشطي البيئة ، حدوث تغيّر جذري مع تزايد شعبية السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات.
وفي الحقيقة، إن استخدام الكهرباء ليس مجرد هدف صديق للبيئة ينادي به عدد كبير من الناشطين في العالم فحسب، بل هو طموح من شأنه أن يساعد في مكافحة التغيّر المناخي عبر الاستغناء عن الوقود الأُحفوري (المستخرَج من باطن الأرض كالفحم الحجري، والغاز الطبيعي، والنفط)، الذي ينتج عنه عدد كبير من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، كما أنه هدف اقتصادي وواقع تجاري مربح.
ومع ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري ووصولها إلى مستويات قياسية بسبب الظروف الجيوسياسية السائدة في العالم -وليس أقلّها الحرب الروسية الأوكرانية التي أدّت إلى ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الطاقة، إذ بلغ سعر برميل النفط أكثر من 100 دولار- زادت الدعوة لاستعمال مصادر الطاقة النظيفة، من طاقة رياح وكهرباء وغيرهما.
يُضاف إلى ذلك دعوات ناشطي البيئة للتحوّل نحو هذه المصادر البديلة، ودعوة كثير من المدن والدول لاستعمال السيارات الكهربائية بديلًا للسيارات التي تعمل بالوقود. فمدينة باريس الفرنسية -مثلًا- أعلنت أنها ستحظر كل شيء يسير على طرقها باستثناء المركبات الكهربائية بحلول عام 2030.
وحذت حذوها ولاية كاليفورنيا الأميركية (أكبر سوق للسيارات في الولايات المتحدة) التي تخطّط لحظر بيع السيارات التي تعمل بالبنزين تمامًا بحلول عام 2035، حسب ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” (NY Times) مؤخرًا.
وهناك دول تنتقل بشكل شبه كامل نحو السيارات الكهربائية، مثل النرويج التي شكّلت مبيعات هذه السيارات فيها ما نسبته 75% عام 2020، وهي النسبة الأعلى في العالم، ومن المتوقع أن تصل نسبة مبيعات السيارات الكهربائية فيها إلى 100% قبل عام 2025.
الثورة الأكبر في عالم صناعة السيارات
وعلى أرض الواقع، نحن في منتصف أكبر ثورة في عالم صناعة السيارات منذ أن بدأ هنري فورد تشغيل أول خط إنتاج للسيارات عام 1913، ومن المرجّح أن يحدث التحوّل بسرعة أكبر بكثير مما نتخيل، ويعتقد العديد من مراقبي الصناعة أننا تجاوزنا بالفعل نقطة التحوّل، إذ ستتفوق مبيعات السيارات الكهربائية بسرعة كبيرة على مبيعات سيارات البنزين والديزل، حسب توقعات.
وفي هذا السياق، تخطّط كبرى شركات صناعة السيارات في العالم للتحوّل بالكامل لصناعة السيارات الكهربائية. فشركة جاغوار -مثلًا- أعلنت أنها ستبيع هذا النوع من المركبات فقط بدءًا من عام 2025، وفولفو بدءًا من عام 2030، وقالت شركة لوتس للسيارات الرياضية البريطانية إنها ستحذو حذوها، وستبيع الطرازات الكهربائية فقط، بدءًا من عام 2028.
وتتسابق الدول وكبرى شركات صناعة السيارات في العالم من أجل إنتاج وتطوير سيارات كهربائية أفضل وأكثر ديمومة من سابقاتها، ولا يقتصر الأمر على طراز واحد؛ فكل شركة تعلن نيتها لإنتاج أنواع مختلفة من هذه المركبات.
وأعلنت شركة “جنرال موتورز” (GM) التزامها باستثمار 7 مليارات دولار إضافية لتمويل برامج السيارات الكهربائية والمركبات ذاتية القيادة، وستطلق 30 طرازًا جديدًا من المركبات الكهربائية على مستوى العالم حتى عام 2025.
أما شركة هيونداي (Hyundai) الكورية الجنوبية فتعهّدت بتصنيع 23 نوعًا جديدًا من هذه السيارات خلال الفترة نفسها، وكذلك فعلت شركتا مرسيدس وتويوتا وبقية الشركات التي تخوض سباقًا محمومًا من أجل كسب أسواق المستقبل.
بل إن هناك شركات جديدة ناشئة -مثل رفيان وبايتون- تدخل السوق كل يوم، وتعمل على تطوير سياراتها الكهربائية الخاصة، ولم لا؟ فالسوق واعدة جدًا، والسباق نحو المستقبل لا يتوقف أبدًا.
ورصد موقع “كار آند درايفر” (car and driver) قائمة بكل السيارات الكهربائية التي يتوقع رؤيتها على طرقات العالم في السنوات الخمس القادمة، ومنها سيارات باذخة وغالية الثمن يصل سعر الواحدة منها إلى أكثر من 3 ملايين دولار، ومنها سيارات “شعبية” سيكون ثمنها في المتناول.
هل ستختفي سيارات الوقود الأحفوري تمامًا لتحلّ محلها السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية؟ وإذا كانت الحال كذلك، فهل علينا أن نتخيل “جبال السكراب” (المستعمل) التي ستكتظ بسيارات الوقود، والتي لم يعد لها مكان في غضون السنوات القادمة؟
قد يحدث هذا ويتم استبدال جميع السيارات الكهربائية بالتي تعمل بالبنزين والسولار، وهو خيار يفضّله ناشطو البيئة وعدد من المشرّعين في أميركا وأوروبا الذين يدفعون باتجاه إلغاء استخدام المركبات التي تُنتج الكربون خلال عقد من الزمن.
ويقول الكاتب دان نيل -في مقالة له بصحيفة “وول ستريت جورنال” (the wall street journal)- إن خيارات المستهلك يمكن أن تكون الدافع وراء ذلك. ويوضّح “أن السيارات الكهربائية آلات أفضل من الآلات التي تستبدلها”، ولهذا السبب قد يختار المستهلكون استبدال مركباتهم التي تعمل بالوقود بالسيارات الكهربائية بشكل مبكر.
ويشرح “مثل أجهزة التلفاز القديمة تمامًا، التي كانت تعمل بالبلازما، حيث قام المستهلكون باستبدالها بشاشات “إل سي دي” (LCD) بسرعة، وهي أرخص وأفضل بكثير”.
ولكن هناك آخرون أكثر تشككًا في الجدول الزمني المتسارع، ويتوقّعون أن يتعايش كلا النوعين من المركبات على الطرق فترة طويلة.
وهناك وجه آخر عند التفكير في مستقبل محركات الاحتراق يتعلق بالسيارات الهجينة التي تعمل باستخدام الكهرباء والوقود معًا؛ هو “صعود المحرك الهجين المزود بالكهرباء، ويمكنه استخدام الوقود”، وهو ما يعني أن محرك الاحتراق الداخلي سيبقى ولن يختفي من الوجود في المستقبل القريب.
وبعد، إن التحول في صناعة السيارات حقيقي، ويحدث بشكل أسرع بكثير مما كان يتوقّعه المشكّكون قبل بضع سنوات فقط، ولكن نهاية زمن السيارات التي تعمل بالوقود لا يزال مبكرًا، وسيستغرق بعض الوقت، وإن كان حتميًا في النهاية؛ فلا يمكن إيقاف عجلة التطور. والسؤال الحقيقي هو ما مدى السرعة التي نصل بها إلى تلك النقطة التي تتحوّل فيها السيارات التي تعمل بالوقود إلى المتاحف؟ هذا ما سنعرفه خلال السنوات القليلة القادمة.